سورة يوسف - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


لما غَلَّقَتْ عليه أبوابَ المسكنِ فَتَحَ الله عليه باب العصمة، فلم يُضِرْه ما أُغْلِقَ بعد إكرامه بما فُتِحَ.
وفي التفسير أنه حفظ حُرْمةَ الرجل الذي اشتراه، وهو العزيز.
وفي الحقيقة أشار بقوله: {إِنَّهُ رَبِى} إلى ربِّه الحقِّ تعالى: هو مولاي الحق تعالى، وهو الذي خلَّصني من الجُبِّ، وهو الذي جعل في قلب العزيز لي محلاً كبيراً فأكرم مثواي فلا ينبغي أَنْ أُقْدِمَ على عصيانه- سبحانه- وقد غمرني بجميل إحسانه.
ويقال إن يوسف عليه السلام قال لها: إن العزيز أمرني أَنْ أنفعَه. {عَسَى أَن يَنفَعَنَا} فلا أَخُونُه في حُرْمَتِه بظهر الغيب.
ويقال لمَّا حفظ حُرْمة المخلوقِ بظهر الغيب أكرمه الحقُّ سبحانه بالإمداد بالعصمة في الحال ومَكَّنَه من مواصلتها في المآل على وجه الحَلاَل.


ما ليس بفعل الإنسان مما يعتريه- بغير اختياره ولا بِكَسْبِه- كان مرفوعاً لأنه لا يدخل تحت التكليف، فلم يكن الهمُّ منه ولا منها زَلَّةً، وإنما الزًّلَّةُ من المرأة كانت من حيث عَزَمَتْ على ما هَمَّتْ، فأمّا نفسُ الهمّ فليس مما يَكْسِبُه العبد.
ويقال اشتركا في الهمِّ وأُفْرِد- يوسف عليه السلام- بإشهاده البرهان.
وفي تعيين ذلك البرهان- ما الذي كان؟- تكلُّفٌ غيرُ محمودٍ إذا لا سبيل إليه إلا بالخَبَرِ المقطوع به.
وفي الجملة كان البرهانُ تعريفاً من الحقِّ إياه بآية من آيات صُنْعِه، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ ءَايَتِنَا فِى الأَفَاقِ وفِى أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ} [فصلت: 53].
وقوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ} صَرَفَ عنه السُّوءَ حتى لم يوجَد منه العزمُ على ذلك الفعل- وإنْ كان منه همٌ- إلا أن ذلك لم يكن جُرْماً كما ذكرنا.
والصَّرْفُ عن الطريق بعد حصول الهمِّ- كشفٌ، والسوءُ المصروفُ عنه هو العزمُ على الزنا والفحشاء أو نفْسُ الزنا، وقد صرفها الله تعالى عنه.
قوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ}: لم تكن نجاتُه في خلاصه، ولكن في صرفِ السوء عنه واستخلاصه.


قوله جلّ ذكره: {وَاسْتَبَقَا البَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا البَابِ}.
استبقا، هذا ليَهْرَبَ، وهذه للفعلة التي كانت تطلب.
ولم يضر يوسفَ- عليه السلام- أَنْ قَدَّتْ قميصه وهو لِبَاسُ دنياه بعد ما صحَّ عليه قميصُ تقواه.
ويقال لم تَقْصِدْ قَدَّ القميصِ وإنما تَعَلَّقَتْ به لتَحْبِسَه على نفسها، وكان قصدُها بقاءَ يوسف- عليه السلام- معها، ولكن صار فعلُها وَبالاً على نَفْسِها، فكان بلاؤها من حيث طَلَبَتْ راحتهَا وشفاءَها.
ويقال تولَّد انخراقُ القميصِ من قبضها عليه وكان في ذلك افتضاح أمرها؛ لأن قَبْضَها على قميصه كان مزجوراً عنه.. ليُعْلَمَ أنَّ الفاسِدَ شَجُّه فاسدٌ.
ويقال لشدة استيلاء الهوى عليها لم تعلم في الحالِ أنها تقدُّ قميصه من ورائه أو من قُدَّامِه.. كذلك صاحبُ البلاءِ في الهوى مسلوبُ التمييز.
ويقال لمّا لم تَصِلْ ولم تتمكن من مرادها من يوسف خَرَقَتْ قميصَه ليكونَ لها في إلقائها الذَّنْبَ على يوسف- عليه السلام- حُجَّةٌ، فَقَلَبَ اللَّهُ الأمرَ حتى صار ذلك عليها حجة، وليوسف دلالة صدق، قال تعالى: {وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيئ إلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].
قوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا البَابِ}: لمَّا فَتَحَا البابَ وجدا سيدها لدى الباب، والإشارة فيه إلى أن ربك بالمرصاد؛ إذا خَرَجَ العبدُ عن الذي هو عليه من التكليف في الحال وقع في ضِيق السؤال.
ويقال قال: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا} ولم يقل سيدهما لأن يوسف في الحقيقة كان حراً ولم يكن العزيزُ له سيداً.
قوله جلّ ذكره: {قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
شَغَلَتْهُ بإغرائها إياه بيوسف عن نَفْسِها بأن سَبَقَتْ إلى هذا الكلام.
ويقال لقنته حديث السجن أو العذاب الأليم لئلا يقصد قتلَه؛ ففي عين ما سَعَتْ به نظرت له وأَبْقتْ عليه.
ويقال قالت ما جزاء من فعل هذا إلا السجن فإن لم ترضَ بذلك، وستزيد؛ فالعذاب الأليم يعني الضّرب المُبَرِّح.. كأنما ذكرت حديث العقوبة بالتدريج.
ويقال أوقعت السجن الذي يبقى مؤجَّلاً في مقابلة الضرب الأليم المعجل ليُعْلَم أَنّ السجنَ الطويل- وإنْ لم يكن فيه في الظاهر ألم- فهو في مقابلة الضرب الشديد الموجِع؛ لأنه- وإنْ اشتدّ فلا يقابله.
ويقال قالت: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً} فذِكْرُ الأهل هاهنا غايةُ تهييج الحميّة وتذكيرُ بالأَنَفَةِ.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11